السبت، مارس 14، 2009

خفافيش "الإنترنت والاستراحات" .. وماذا بعد؟

جريدة الرياض اليومية
الاثنين 21 ربيع الأول 1428هـ - 9 أبريل 2007م - العدد14168

عوض مصطفى سحلي الخناني

عندما يتورط شبابنا في الانجراف وراء من ينظرون للإرهاب لا نجد أن هناك مبرراً سوى الجهل والانحراف الفكري والحماس نتيجة فترة المراهقة التي يمرون بها ووجود من يصطادهم ويغرر بهم (بحيث لا يستطيعون العودة) من خلال العزف على وتر الدين والجنة الموعودة وكأنه لا طريق للجنة إلا بالجهاد المشكوك في أمره جملة وتفصيلاً من خلال عصيان ولي الأمر والوالدين والكذب والغش والتحايل.
لو أن شاباً في سن المراهقة قرأ ما يكتب في مواقع الإنترنت التي تزخر بالعديد من المقالات والنقاشات التي تتحدث عن الجهاد لاقتنع بذلك ما لم يكن محصناً من الله ثم من قبل الوالدين والإعلام، خاصة أن من يقومون بالكتابة ليس من أنصاف المتعلمين بل من المتمرسين والمتخصصين في العلوم الشرعية واللغوية، حيث يبدو ذلك جلياً واضحاً كوضوح الشمس.
خفافيش الإنترنت هم من يكتبون في المواقع المشبوهة وغير المشبوهة، هم من يدمون ويعصرون قلوب الأمهات بأيديهم، هم من يقتلون الآباء كمداً وحسرة على فلذات أكبادهم الذين كانوا يرتجون من ورائهم خيراً في مساعدتهم عندما يكبرون. قبل ثلاث سنوات كان هناك شاب في مقتبل العمر بل في عمر الزهور انحرف عن الطريق وتم عقابه وعاد إلى الحياة ولكن بتشدد وأصبح يعمل بإدارة حلقات تحفيظ القرآن والمساعدة في أحد المساجد، وفي أحد الأيام اتصل على والدته ليخبرها بأنه سوف يذهب لأداء العمرة، ولكنه للأسف خدع والدته وكذب عليها، لقد ذهب إلى العراق بطريقة غير مشروعة، وجاء الخبر قبل عدة أيام بأنه قتل هناك (رحمه الله وعظم أجر والدته وألهمها الصبر والسلوان) ألم يكن أشرف له وأتقى وأزكى أن يبقى بجوار والدته تحت قدميها، وقد نظمت هذه الأبيات وكأني بوالدته تقول:
رحل الخليل فما أجل مصابي
وتطرق الدمع الحزين لبابي
ما كنت انتظر المصير لأجله
فالموت أولى أن يكون ثيابي
ما كنت أحلم أن أكون حزينة
فذهبت عني وانتفضت عذابي
إذا قلت لي إن هناك إنساناً متشدداً ومتوسط التعليم وينظر للإرهاب ويجمع الأموال بطرق مشروعة فقد أصدقك، ولكن أن تقول لي إن من ينظر ويبرر ويحرض ويمول الإرهاب ويجمع له الأموال هم من الحاصلين على الشهادات العليا ويعملون في أوساط شبابنا، فهذه والله مصيبة المصائب، كيف يجرؤ هؤلاء أن يقوموا بمثل هذا العمل ونحن نحسبهم قد وصلوا للعمر والمنصب والشهادة والفهم والإدراك الذي يقيهم من شر الانزلاق وراء المخربين، بل من المفترض أن نستعين بهم لمنع الفتن والتغرير عن شبابنا، هم ليسوا في سن المراهقة حتى نقول إنه قد غرر بهم، بل هم وأمثالهم من يقود الشباب إلى النار هم من يدمرون الوطن هم من يحرقون قلوب الآباء والأمهات، إنهم خفافيش الاستراحات الذين حولوها من أماكن للبراءة والنقاء والراحة إلى أماكن للحقد والدمار والتخطيط السيئ (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) ألم يعلموا أن هذه السلوكيات لا تتفق مع ديننا وقيمه الإنسانية الراقية على الإطلاق، ألم يعلموا أن الدين الإسلامي هو دين القيم والمبادئ والأخلاق وليس دين الخلايا والكذب والغش وعصيان ولي الأمر والوالدين.
لا أحد ينكر فضل الجهاد في سبيل الله، ولقد كان الجهاد حقاً وبيناً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم، إلا أنه بعد أن انفصلت الدول وأصبح لكل دولة حدود وسيادة، تدخلت المصالح الاقتصادية والسياسية في موضوع الكر والفر، وهذا ما لا يدركه بعض الشباب بالإضافة إلى أنهم لا يدركون أن ولاة الأمر في هذه البلاد الطاهرة يحرصون عليهم وعلى مصلحتهم وعلى كل ما يبعدهم عن أماكن الشبهات ومنابع النزاعات ومكامن الخطر من أجل مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، بعكس أولئك الحاقدين الذين لا يهمهم سواء تحقيق أهدافهم.
قال الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا).
وقال سبحانه وتعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما عاد من إحدى الغزوات: "عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟ قال: جهاد النفس".
إذا أردت فعلاً ابني وأخي الشاب أن تنصر دينك ثم وطنك فألزم أرضك وأقم فرضك وجاهد نفسك وبر والديك واجلس تحت قدميهما وأطع ولي الأمر وأحسن إلى الناس وعاملهم بأخلاق الإسلام، واجتهد في دراستك إن كنت طالباً واخلص في عملك إن كنت موظفاً، فالوسطية والاقتصاد والتقنية هي الوصفة السرية لوصول الأفراد والدول إلى المنافسة على كافة الأصعدة
.

ليست هناك تعليقات: